STPT Logo

لن ينقذ السودان إلا السودانيون، ودور الآخرين المساعدة

رسالة مفتوحة من أفريقي منزعج

إخوتي وأخواتي السودانيون،

أكتب إليكم، وقد احتفلنا لتوّنا بيوم أفريقيا، ليس بصفتي غريباً عنكم، بل بصفتي أخاً أفريقياً يرتبط مصيره بمصيركم. أكتب إليكم بحزنٍ وإلحاحٍ واحترامٍ عميق – وأيضاً بأملٍ جارف. لطالما قيل لكم إن السلام سيأتي من فوق، أو من الخارج، أو من الآخرين. لكن السلام الحقيقي يبدأ بكم.

هذه الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية. بل هي حربٌ على كرامتكم، وهويّتكم، ومجتمعاتكم، ومستقبلكم. وقد سلبتكم الحربُ الّسيطرة على مصيركم، وجعلتكم مجرد متفرجين على صراع يُخاض على ترابكم، وباسمكم، لكن بدون أن يُسمع صوتكم. ومع ذلك، لستم عاجزين الآن، في خضم هذا الدمار. فأنتم لم تستسلموا. وهذا الصمود هو بداية الطريق إلى السلام.

هذه الحرب مأساويةٌ جداً لأنها تُشنّ ضدّ الشعب، الشعب نفسه الذي نهض وأسقط ديكتاتوريةً بتعبيرٍ غير عنفي عن قوة الشعب يُحتذى به. ويُثلج صدري أن جذوة روح المقاومة المدنية والتّجديد السودانية لا تزال متقدّةً.

مصير السودان ليس صفقة يُمكن إسنادها إلى جهاتٍ خارجية. قد تُساعد الجهات الخارجية، لكنها لا تستطيع إصلاح ما لم تُشيّده. ولا يُمكن لأيّ طرفٍ خارجيٍّ أن يُحبّ السودان أكثر من أهله. ولن يُخاطر أيّ جهد تدخلٍ خارجيٍّ من أجل السلام بأكثر من مخاطرة المضطرّين للتعايش مع غيابه. وسلام السودان يجب أن يعرّفه ويطالب به ويدافع عنه السودانيون أنفسهم. وهذه ليست مجرد حقيقةً أخلاقيةً، بل ضرورةٌ استراتيجيةٌ.

أعلم أنكم مُرهَقون. أعلم أن اليأس قد تسلل إلى أعماق قلوبكم. لكنني أعلم أيضاً أنكم لم تستسلموا. نعم الألم عميق، نعم، لكن إرادة الصمود أعمق. وينبغي الآن تسخير هذه الطاقة لمهمةٍ وطنية هي استعادة مستقبل السودان من خلال حركةٍ يقودها الشعب من أجل السلام.

دعوني أكون واضحاً: أنا لا أدعو إلى مبادرات رمزية أو أحلام مثالية. بل أدعو إلى عمل مدني منظم، مُركّز، وحازم. لأنكم وحدكم من يستطيع إنهاء هذه الحرب. وإليكم بعض الاقتراحات المتواضعة لتنظروا في كيفية المضي في هذا الاتجاه:

1. عقد مؤتمر سلام شعبي سوداني

ينبغي أن يكون أساس هذه الحركة مؤتمر سلام شامل – لا يعقده الأقوياء، بل الناس العاديون. ويجب أن يتّحد المجتمع المدني والشباب والقيادات الدينية والمجموعات النسائية ومجتمعات النازحين والجمعيات المهنية، والفاعلون السياسيون الذين يتّسمون بالنزاهة الأخلاقية – ليس من أجل تقسيم السلطة، بل لتعريف السلام. وهذا الجهد ليس منافساً للوساطة الرسمية؛ بل هو البوصلة الأخلاقية والسياسية التي يمكن أن توجّه هذه الوساطة.

فليأتِ الوسطاء – ليس ليقودوا، بل ليسمعوا. لأن السلام عندما  ينبثق من القاعدة، يمكن أن يرتقي إلى ذُرى التاريخ. وعندما يُفرض من الأعلى، ينهار تحت وطأة ثقله ذاته. وهذا المؤتمر ليس ممكناً فحسب، بل ضروري. السذاجة لا تكمن في أن نثق في قدرة الشعب. بل السذاجة في الاستمرار في تكرار العمليات التي تقودها النخبة والتي فشلت مراراً.

2. صياغة أجندة سلام شعبية

فليُنتج المؤتمر أجندة سلام شعبية – واضحة وجريئة تستنير بدروس التاريخ. وينبغي أن تُحدد هذه الأجندة نوع السلام الذي يريده السودانيون، وما تتطلبه العدالة، وكيف يُمكن إعادة بناء الوحدة. ويجب ألا تأتي الأجندة من قاعات الاجتماعات، وإنّما من الشوارع ومخيمات اللاجئين وبيوت الثكالى وأحلام الشباب. فالأمر لا يتعلق بإدارة أزمة – بل بتخيّل مستقبل.

3. اطلاق حركة سلام وطنية

استخدموا هذه الأجندة لبناء حركة وطنية. نظّموا صفوفكم عبر الانقسامات. ورصّوا الصفوف عبر الأقاليم. أشركوا السودانيين في الشتات. وشكّلوا قوة سياسية وأخلاقية لا يستطيع أمراء الحرب استقطابها ولا تستطيع القوى الأجنبية تجاهلها. فأنتم لا تنتظرون السلام – بل تبنونه. وبمجرد أن يتحرك الشعب، ستتبعه السياسة.

4. ربط حركة السلام بجهود الوساطة

يجب أن تُصغي عملية السلام إلى أصحاب المصلحة الحقيقيين. ويجب أن تُصيغ نتائج مؤتمر الشعب أي جهود وساطة وتُوجّهها. كما ينبغي تشجيع الوسطاء الإقليميين والدوليين على الحضور بصفة مراقبين – شهوداً على صوت الشعب السوداني. ويجب عليهم أن ينسجموا مع إرادة الشعب السوداني. وهذا هو السبيل الوحيد إلى الحصول على الشرعية. وهو كذلك سبيل دوام السلام.

5. تحقيق نتائج فورية: إسكات صوت البنادق، وخفض حدّة الاستقطاب

هاتان هما آفتا السودان المتلازمتان. البنادق تُدمّر الأجساد؛ والاستقطاب يُدمّر الأمم. وقف القتل أمر مُلحّ، لكن وقف تجزئة المجتمع لا يقلّ إلحاحاً عن ذلك. ويجب أن يتصدّى مؤتمر السلام للآفتين. وينبغي أن يتمخض المؤتمر عن استراتيجية لإنهاء العنف وإعادة ترميم النسيج الاجتماعي المُمزّق. ويجب ألا يوقف السودانيون الحرب فحسب، بل يجب عليهم أيضاً إعادة بناء معنى أن تكون سودانياً.

6. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها أداة للسلام

يمكن إعادة توجيه المنصات التي غذّت الكراهية والتضليل الإعلامي نحو حفز الأمل، والترويج لمؤتمر السلام، وحشد الأفكار، ومشاركة قصص الصمود والتعايش. حوّلوا الفضاءات الرقمية إلى حيّزات مدنية. اربطوا السودانيين داخل البلد بأولئك المقيمين في الخارج. فوسائل التواصل الاجتماعي قد تُفرّق، لكنها قد تُوحّد أيضاً.

7. مواجهة الطبيعة الجديدة للحرب

هذه ليست حرباً تنتهي بالتوقيع على ورقة. فهي حرب أبدية – مُجزّأة، وتتكاثر ذاتياً، ومن دون هدفٍ سياسيّ. ويجب على مؤتمر السلام أن يُدرك هذه الحقيقة وأن يبتكر سُبلاً لدحض منطق الصراع الذي لا ينتهي. فالسلام لم يعد مجرد وجهة نصلها – بل يجب أن يكون فعلاً مستمراً من المقاومة وإعادة البناء والإبداع المتجدّد.

التاريخ ليس صامتاً

من مونتغمري إلى سويتو إلى بوغوتا، نعلم أن حركات السلام القاعدية قادرة على ثني قوس التاريخ نحو العدالة. في الولايات المتحدة، استعاد الناس العاديون روح الأمة. وفي جنوب إفريقيا، نهضت المجتمعات معاً لإنهاء نظام الفصل العنصري. وفي كولومبيا، فرض المجتمع المدني فتح أبواب التفاوض. والسودان قادر على فعل ذلك أيضاً.

هذه ليست مثالية. بل استراتيجية. فبدون حركة شعبية، ستستمر هذه الحرب. قد تُوقف الصفقات الخارجية العنف، لكنكم وحدكم من يستطيع إنهاؤه. أنتم وحدكم من يستطيع بناء سلامٍ جديرٍ بأن يُعاش.

فلتكن هذه اللحظة لحركة السلام السودانية كما كانت لحظة مونتغمري لعملية الحشد من أجل الحقوق المدنية. لتكن هذه اللحظة التي يتوقف فيها العالم ويقول: رفض  السودانيون أن يكونوا ضحايا. لقد نهضوا. تكلّموا. وبنوا السلام بأيديهم.

لقد فعلتم ذلك من قبل. ويمكنكم فعله مرة أخرى.

بالتضامن والأمل،

عبدول محمد

أفريقي قلق

عبدول محمد مسؤول سابق رفيع في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، ويتمتع بخبرة واسعة في الوساطة في منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما في السودان وجنوب السودان. انظر مقاله السابق حول فشل الدبلوماسية في معالجة الحرب المدمّرة المستمرة في السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top