Flag Of Sudan

هل يتحوّل السودان إلى بؤرة للإرهاب العنيف؟

الدكتور عصام الدين عباس أحمد

حاول الإسلاميون مراراً وتكراراً إنكار دورهم في إشعال الحرب في السودان، لكن الأدلة ضدهم تتراكم باستمرار. حتى قبل اندلاع الحرب، أطلق العديد من قادتهم دعوات صريحة لعرقلة الاتفاق الإطاري، وإن قاد ذلك إلى مواجهات دامية. وبمجرد اندلاع الحرب، ظهرت كتائبهم ونظّمت نفسها بسرعة تحت راية “البراء بن مالك”. وبعد أكثر من عام على الحرب، بدأ قادتهم السياسيون بالظهور علناً والتعبير عن تأييدهم لاستمرار الحرب ومعارضة أي محاولات مدنية لإيقافها. وقد شهدت بورتسودان مؤخراً استقبال نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، حيث سُمِح له بالتحدث علناً أمام مؤيديه، مما يشير إلى دعم حكومة الأمر الواقع له. وتزامن ذلك مع احتفال آخر هو احتفال نائب قائد الجيش بأحمد عباس، الحاكم السابق لسنار، وهو أحد القادة الإسلاميين المتشددين. ويُظهر هذا أن الإسلاميين يسعون إلى إذكاء الصراع والإصرار على استمراره أملاً في العودة إلى السلطة.

يشغل السودان موقعاً جيوسياسياً جعله محط اهتمام العديد من الدول. فمن جهة، يُطل السودان على البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية في العالم وشريان رئيسي للتجارة العالمية، ما يجعله عرضة للإرهاب المدعوم من إيران. ومن جهة أخرى، يمتلك السودان حدوداً برية مفتوحة مع عدد من الدول الأفريقية التي تعاني من اضطرابات سياسية، حيث ينشط الإرهاب والتطرف العنيف، خاصةً في منطقة المغرب العربي.

شهد السودان نشاطات إرهابية منذ أن استولى الإسلاميون على السلطة في عام 1989، حيث استضافوا جماعات متطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وخلال تلك الفترة، لم يقتصر الأمر على توفير ملاذ آمن، بل سمح السودان أيضاً باستغلال نظامه المصرفي الضعيف وغير المنظم لتمويل الإرهاب. كما فتح أبوابه للراغبين في جذب الشباب للانضمام إلى التنظيمات المتطرفة في الصومال ومنطقة الساحل وتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام.

تتسم معظم التنظيمات المتطرفة التي انتشرت في السودان ومحيطه بخصائص وسمات مشتركة يمكن تلخيصها كالتالي:

العنف بوصفه وسيلة للوصول إلى السلطة: يتبنى المتطرفون نهجاً عنيفاً لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة، ويعتمدون على استخدام القوة لتحقيق أهدافهم، مدعين زيفاً أن ذلك- يقرّبهم إلى الله. وبالتالي، يعادون أي تحول مدني ويؤمنون بالانقلابات العسكرية، والتحالفات المسلحة، والنشاط العنيف الذي يضعف الدولة المركزية.

قدسية قانون الجماعة: يؤمن أعضاء التنظيمات المتطرفة بضرورة إيذاء خصومهم. فهم يمارسون ويبيحون القتل والتدمير والاعتقال غير القانوني، بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات والبشر والأسلحة.

إنكار السيادة الإقليمية وسلطة قوانين الدولة: تنكر الجماعات المتطرفة حدود الدول وترفض سلطة الحكومات وقوانينها.

أسهمت عوامل عديدة في جعل السودان أرضاً جاذبة للإرهاب والتطرف العنيف، من بينها ضعف المؤسسات الأمنية السودانية وعدم رغبتها في السيطرة على الأنشطة الإرهابية، وانتشار الأسلحة والاتجار غير القانوني، وانتشار الخطاب التحريضي الداعم للإرهاب والتطرف العنيف، إضافة إلى اختلال الخدمات والبنى الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل بعض الفئات أكثر عرضة للتجنيد، إلى جانب عوامل أخرى.

تُفصِّل ورقة بحثية نُشرت اليوم من قِبَل المرصد السوداني للشفافية والسياسات بعنوان “هل يتحوّل السودان إلى بؤرة جديدة للإرهاب العنيف؟” هذه العوامل بشكل أعمق. وتُشير الورقة إلى أن معظم هذه العوامل محلية، مع وجود عوامل دولية وإقليمية لا يمكن تجاهلها. ومنذ اندلاع الصراع الدولي للسيطرة على البحر الأحمر، تسعى إيران جاهدة لترسيخ موطئ قدم لها في السودان لتعزيز موقفها في اليمن. وقد استفادت إيران من احتياج حكومة بورتسودان الشديد إلى كسب مؤيدين دوليين، فسارعت إلى استعادة وجودها الدبلوماسي في بورتسودان وحضورها العسكري في المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر. وبالإضافة إلى دور إيران، فإن ضعف أو غياب التنسيق الاستخباراتي بين دول المنطقة، والفشل في توسيع استخدام تكنولوجيا المعلومات في تبادل المعلومات وتحليل البيانات وتوفير الإنذار المبكر للعمليات الإرهابية المحتملة، يزيدان من المخاطر.

كما هو موضح أعلاه، فإن أخطار الإرهاب ذات طبيعة دولية، وبالتالي فإن الاستجابات يجب أن تكون أيضاً دولية. وقد انخرط عدد من المؤسسات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الإرهاب في إعداد دراسات و استراتيجيات تُمكّن المؤسسات الوطنية في إفريقيا جنوب الصحراء من السيطرة على هذا التهديد المتزايد، لكن السودان لم يحظ بنصيبه العادل من التعاون بسبب العزلة الطويلة لنظام البشير، والعوائق الإضافية التي تسببت فيها عودة السودان إلى الديكتاتورية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، واندلاع الحرب الأخيرة التي فاقمت من ضعف البنية الأمنية.

كما هو الحال في أماكن أخرى، يتبنى التطرف العنيف في السودان العنف ويضفي عليه الشرعية. ويتخذ أشكالاً مختلفة، من التخطيط أو التحريض على ارتكاب جرائم ذات دوافع أيديولوجية، إلى الأفراد أو الجماعات التي تنفذ أعمالاً إرهابية بالفعل. وهناك أيضاً حركات مناهضة للديمقراطية ذات طابع إثني وديني، ليست مرتبطة بمنظمات متطرفة، لكنها تروّج لأهداف غير ديمقراطية، مثل السعي إلى إقامة نظام شمولي أو ثيوقراطي، أو إلغاء الحقوق والحريات الأساسية لبعض فئات المجتمع. ومن خلال تتبع هذا النشاط الإرهابي وغير الديمقراطي في السودان وتحليل سلوكه وطبيعته، يمكن نشر تدابير مكافحة فعّالة، بما في ذلك التدابير الوقائية، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات الحديثة، وضمان أن لا تُشكل إجراءات مكافحة الإرهاب خطراً على المواطنين.

يتطلب السيطرة على الإرهاب وتقليل فرص انتشاره في المنطقة تدخلات دولية عاجلة تشمل:

مضاعفة الجهود لوقف الحرب السودانية، التي فاقمت من مخاطر الإرهاب والتطرف العنيف عبر إتاحة الفرصة للمتطرفين للعودة إلى السودان وإعادة تنظيم صفوفهم من خلال إنشاء ميليشيات ذات توجه إسلامي متطرف.

تطوير آلية إقليمية لتعزيز التعاون الاستخباراتي تقوم على استخدام تكنولوجيا المعلومات والتوجهات التقنية الحديثة مثل تحليل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء لرصد الأنشطة الإرهابية وبناء نظام متقدم للإنذار المبكر.

رفع قدرات المؤسسة الأمنية السودانية من خلال برنامج إصلاحي شامل يعالج جميع أوجه الضعف فيها ويؤسس عقيدتها بما يتماشى مع مشروع الدولة المدنية وسيادة القانون.

اقرأ أكثر.

الدكتور عصام الدين عباس أحمد ناشط مدني ملتزم، ومتعمّق في ثقافات السودان المتنوعة، وهو مشارك بحيوية في أنشطة تنسيقية القوى المدنية من خلال منظمة المساعدات الإنسانية المدنية. وتغطي إسهاماته البحثية مجالات مثل الحوكمة، وبناء السلام، والاستدامة، وإصلاح الأمن والجيش، والإشراف المدني على قوات الشرطة، وتطوير المجتمعات الذكية، والتحول نحو الاقتصاد الذكي. شغل منصب مستشار قصير الأمد للبنك الدولي في مجالي الهوية الرقمية والتحول الرقمي، ومدير عام وكالة التحول الرقمي بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، ومدير عام تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي بوزارة الداخلية السودانية. ويحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من جامعة جوبا، ودرجة الماجستير في تكنولوجيا المعلومات من جامعة النيلين، ودكتوراه في علوم الحاسوب من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top